responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 141
وبين أن الذي بين السموات وَالْأَرْضِ خَلَقَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى الْأَشْيَاءِ رَأَيْتَهَا عَلَى مَا يَنْبَغِي صَلَابَةُ الْأَرْضِ لِلنَّبَاتِ وَسَلَاسَةُ [1] الْهَوَاءِ لِلِاسْتِنْشَاقِ وَقَبُولُ الِانْشِقَاقِ لِسُهُولَةِ الِاسْتِطْرَاقِ وَسَيَلَانُ الْمَاءِ لِنَقْدِرَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَحَرَكَةُ النَّارِ إِلَى فَوْقُ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِثْلَ الْمَاءِ تَتَحَرَّكُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً لَاحْتَرَقَ الْعَالَمُ فَخُلِقَتْ طَالِبَةً لِجِهَةِ فَوْقٍ حَيْثُ لَا شَيْءَ هُنَاكَ يَقْبَلُ الِاحْتِرَاقَ وَقَوْلُهُ: وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ قِيلَ الْمُرَادُ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ خُلِقَ مَنْ طِينٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الطِّينَ مَاءٌ وَتُرَابٌ مُجْتَمِعَانِ وَالْآدَمِيُّ أَصْلُهُ مَنِيٌّ وَالْمَنِيُّ أَصْلُهُ غِذَاءٌ، وَالْأَغْذِيَةُ إِمَّا حَيَوَانِيَّةٌ، وَإِمَّا نَبَاتِيَّةٌ، وَالْحَيَوَانِيَّةُ بِالْآخِرَةِ تَرْجِعُ إِلَى النَّبَاتِيَّةِ وَالنَّبَاتُ وُجُودُهُ بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ الَّذِي هو طين.

[سورة السجده (32) : الآيات 8 الى 9]
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (9)
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ آدَمَ كَانَ مِنْ طِينٍ وَنَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ هُوَ النُّطْفَةُ، وَعَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي هُوَ أَنَّ أَصْلَهُ مِنَ الطِّينِ، ثُمَّ يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ سُلَالَةٌ هي من ما مَهِينٍ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ التَّفْسِيرُ الثَّانِي غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ: بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ ... ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جَعْلَ النَّسْلِ بَعْدَ خَلْقِ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ فَنَقُولُ لَا بَلِ التَّفْسِيرُ الثَّانِي أَقْرَبُ إِلَى التَّرْتِيبِ اللَّفْظِيِّ فَإِنَّهُ تَعَالَى بَدَأَ بِذِكْرِ الْأَمْرِ مِنَ الِابْتِدَاءِ فِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ فَقَالَ بَدَأَهُ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَهُ سُلَالَةً ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَعَلَى مَا ذَكَرْتُمْ/ يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ عَائِدٌ إِلَى آدَمَ أَيْضًا لِأَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي فَتَكُونُ التَّسْوِيَةُ بَعْدَ جَعْلِ النَّسْلِ مِنْ سُلَالَةٍ، وَذَلِكَ بَعْدَ خَلْقِ آدَمَ، وَاعْلَمْ أَنَّ دَلَائِلَ الْآفَاقِ أَدَلُّ عَلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ [غَافِرٍ: 57] وَدَلَائِلُ الْأَنْفُسِ أَدَلُّ عَلَى نَفَاذِ الْإِرَادَةِ فَإِنَّ التَّغَيُّرَاتِ فِيهَا كَثِيرَةٌ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ ... ثُمَّ سَوَّاهُ أَيْ كَانَ طِينًا فَجَعَلَهُ مَنِيًّا ثُمَّ جَعَلَهُ بَشَرًا سَوِيًّا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ إِضَافَةُ الرُّوحِ إِلَى نَفْسِهِ كَإِضَافَةِ الْبَيْتِ إِلَيْهِ لِلتَّشْرِيفِ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصَارَى يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَيَقُولُونَ بِأَنَّ عِيسَى كَانَ رُوحَ اللَّهِ فَهُوَ ابْنٌ وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ رُوحُهُ رُوحُ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ أَيِ الرُّوحِ الَّتِي هِيَ مِلْكُهُ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ دَارِي وَعَبْدِي، وَلَمْ يَقُلْ أَعْطَاهُ مِنْ جِسْمِهِ لِأَنَّ الشَّرَفَ بِالرُّوحِ فَأَضَافَ الرُّوحَ دُونَ الْجِسْمِ عَلَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى نَفْخِ الرُّوحِ مِنَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْعِلْمِ فَقَالَ تَعَالَى:
وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ وَجَعَلَ لَكُمُ مُخَاطِبًا وَلَمْ يُخَاطِبْ مِنْ قَبْلُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخِطَابَ يَكُونُ مَعَ الْحَيِّ فَلَمَّا قَالَ: وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ خَاطَبَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَقَالَ جَعَلَ لَكُمُ، فَإِنْ قِيلَ الْخِطَابُ وَاقِعٌ قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ [الرُّومِ: 20] فَنَقُولُ هُنَاكَ لَمْ يَذْكُرِ الْأُمُورَ الْمُرَتَّبَةَ وَإِنَّمَا أَشَارَ إِلَى تَمَامِ الْخَلْقِ، وَهَاهُنَا ذَكَرَ الْأُمُورَ الْمُرَتَّبَةَ وَهِيَ كَوْنُ الْإِنْسَانِ طِينًا ثُمَّ مَاءً مَهِينًا ثُمَّ خَلْقًا مُسَوًّى بِأَنْوَاعِ الْقُوَى مُقَوًّى فَخَاطَبَ فِي بَعْضِ الْمَرَاتِبِ دُونَ الْبَعْضِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: التَّرْتِيبُ فِي السَّمْعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْأَفْئِدَةِ عَلَى مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، وَذَلِكَ لأن الإنسان يسمع

[1] في الطبعة الأميرية «وسلالة الهواء» ، وهي فيما أظن محرفة عما أثبته لأن السلاسة للهواء أنسب.
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 141
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست